الخميس، 15 أكتوبر 2020

عن العنف والالم

كانت دوما تجيد الفصل بين العمل والعاطفة حتی وسط أحلك الظروف. كانت دوما تستمع لحوادث العنف بكل ثبات،  وحين تنهي عملها تبكي كيفما شاءت وتحزن وتكتئب. فحينما يتعلق الأمر بالعمل والمسؤولية كانت تنجزه بكل حيادية . في بداياتها لم تكن بتلك المهنية، ولكنها تدربت كثيرا حتى وصلت لهذا الأمر. ولكن رغم كل ذلك تغيرت وفقدت بعضًا من مهنيتها ! تغيرت حين سمعت ورأت امامها بعض ملامح قصتها وهي تروي على ألسنة آخرين !!

وهنا تبدأ الحكاية ففي ذات يوم فتحت حاسوبها الشخصي وتأهبت للعمل وبدأت نقرأ حالة عنف تلو الأخرى قراءة سريعة، لم ينتج عن تلك القراءة إلا منع تقسيم مبدئي لدراسة كل حالة عنف على جدي وبدأت مع الحالة الأولى وتعمقت بداخلها وتشاركت أبعادها وتوحدت مع شخصيتها ولم تستطع أن تكمل.

ذهبت لإعداد المزيد من القهوة لكي تستعيد تركيزها وعاودت القراءة. وأثناء قراءتها بكت! بكت حينما رأت نفسها مكان الضحية الناجية بكت بكاء حارًا وكأنها تعرضت الآن للعنف وليس من سنوات. واسترجعت تلك الأيام القاسية حين حدثت أول حادثة تحرش وهي طفلة تبكي. تذكرت كيف حكت لوالدتها عن تعرضها للعنف، وكان كل ما يهم أمها أن هذا الذئب لم يلمس جسم ابنتها الصغيرة أو يمس شرفها. وتلك الحادثة اجترت باقي سلسلة الألم والصدمة الناتجة عن العنف. تذكرت حين ضربها أخيها لمجرد ارتدائها بنطال ضيقة، وحين تنمر عليها أخيها الأخر بسبب مظهرها الرجولي، وحين عنفها أبيها لملابسها السوداء، وحين فرضوا عليها أسلوب حياتها ومكانها ومصروفها وحركاتها.

تذكرت كل ذلك وأكثر حين رأت كلمات الناجية من العنف تروي بعض ملامح حياتها الشخصية، استغلالها العاطفي والجنسي من شركاء سابقين بداعي الحب والخوف، عدم نضجها في الماضي وعدم وعيها بحقوقها، حياتها حين وافقت أن تمارس الجنس لإرضاء شريكة ولم تكن تشعر بأي رغبة، أنينها حين تمت معايرتها بحياتها الجنسية غير المثالية، حيرتها الدائمة في اكتشاف نفسها، وقلة فرصها في حسم العديد من القضايا الداخلية.

كانت وقتها تمر بأكثر الأوقات شراسة ولم تجد معها مضادات الاكتئاب التي تواظب عليها لتتحسن. حاولت التركيز أكثر في قصة الضحية، وقرأت عن معاناتها النفسية وردود أفعالها فعادت لأفكارها مرة أخرى وتذكرت كيف كانت تبكي وتئن في صمت. وتحاول الانتحار أيضا في صمت!! كيف كانت فاقدة للهدف والمستقبل والمعني، كيف كانت ومازالت متألمة. وشردت للحظات في معنى وهدف الألم.

دار في رأسها تألمها حين أجبرت على أن تتأكد من عذريتها بنفسها نتيجة التشكيك بها وحيرتها المؤلمة حين أقنعوها آنها تفعل أشياء لم تفعلها. وغضبها الثائر في كل مرة تعرضت فيها للضرب والتعنيف وفي كل مرة تعرضت فيها للتحرش والاستغلال الجنسي، وكل مرة مورست عليها سلطوية الدين والمال والأهل ، وكل مرة تم استغلالها ماديا ومعنويا وعاطفيا ، وكل مرة نبذها المجتمع المحيط أو تنمر عليها أحد بسبب مظهرها وغير نمطية هويتها الجندرية ، وكل مرة عنفها صديق أو بعد عنها بسبب ميولها. تذكرت بكاءها المر حين تخلى عنها أهلها، وحزتها العميق وقت ضياع حقها وغضبها وقلة حيلتها حين صبرت على المعاملات المهينة والعمل لحاجتها للمال.

تذكرت شريط الأحداث المأساوية في حياتها و الم ضحايا العنف وما شعروا به وقت تعرضهم أ للحوادث المختلفة وما يشعرون به الآن بعد التعافي. حينها دار في رأسها فكرتها الأساسية عن الألم، فهو جدير بتغيير الشخص لكن ما سيتغير إليه ستكون نسخة أشد بؤسا حتى وإن كانت أقوى. إن ذكرى الألم تحفر بالوجدان بسيف من نار لا تمحوها أي سعادة مستقبلية. والشخص المتألم ما لم يساعد نفسه بتسكين الألم لن يجد مخرجا، فلا أصدقاء ولا معالجين ولا أدوية ولا وسائل ترفيه ستجدي إن لم يقرر الفرد أن يتجاوز ألمه ويعمل على محو آثاره.

وفجأة قررت أن تتجاوز كل تلك الذكريات وما نتج عنها من مآس وآلام، وأغلقت الحاسوب واستغرقت في صمت صاخب !!

تم نشره في مجلة شُباك

الأحد، 13 سبتمبر 2020

كيف ندعم اصدقائنا/تنا الخارجين/ات توا من الخزانة؟

 

يعاني/ت الافراد الكويريين/ات في مجتمعاتنا في الشرق الاوسط وشمال افريقيا من التمييز ضدهم/ن بشكل فج الى جانب تبجيل الغيرية الجنسية واعتبارها الشكل الأوحد للعلاقات المقبولة مجتمعيا مع عدم الاعتراف بباقي الميول الجنسية والتعبيرات الجندرية. هذا الرفض المجتمعي ينتج عنه صعوبة وألم كبيرين لدى الاشخاص الكويريين/ات للخروج من الخزانة والاعتراف بميولهم/ن الجنسية وهوياتهم/ن الجندرية. 

ليس الخروج من الخزانة أو الكشف عن التوجه الجنسي او الهوية الجندرية صعبا على الأفراد فقط ولكنه في بعض الاحيان يشكل كارثة اذا كان/ت الشخص/ة داخل عائلة محافظة وكارهة لوجود الاختلاف، ولذلك يجب عليكم/ن معرفة انه بمجرد خروج احدهم/ن من الخزانة وكشفهم/ن عن ميولهم/ن يعد ذلك مسئولية كبيرة. حيث انهم يثقون/ن بكم/ن ويشعرون بقربهم/ن منكم/ن 

ونظرا لحساسية وأهمية خروج الافراد من الخزانة اليكم/ن العديد من النقاط الواجب التركيز عليها بخصوص هذا الأمر.

 

اولا: التثقيف الذاتي

يلعب التثقيف الذاتي دورا محوريا في عملية دعم الاصدقاء/ات الخارجين/ات توا من الخزانة فالمعرفة المسبقة لكافة الاطياف الكويرية تساعد بشكل عملي وكبير في مساندتنا لاصدقائنا/ت. لأننا حين نكون على علم مسبق بالميول والتوجهات سنقوم بإدارة الحديث حول الخروج من الخزانة مع عدم التعرض لصدمات نتيجة عدم المامنا بالاطياف المختلفة.

 

ثانيا: الانصات الجيد 

جوهر عملية الخروج من الخزانة هو التعبير عن الذات ولذلك فإن افضل ما نفعله حينذاك هو السماح لهم/ن بالتعبير عن شعورهم/ن  وكيف كانت تجربتهم/ن لاكتشاف ذواتهم/ن. وهذا الوقت ليس مناسبا اطلاقا بأن نبدأ بالحديث ونقول بعض العبارات على شاكلة ” نعم أنا اعرف العديد من المثليين وهم اصدقاء ايضا” لكن بمنحنا الفرصة لاصدقائنا/ت بأن يأخذوا/ن الوقت المناسب في التعبير عن ذواتهم/ن فنحن نثبت لهم/ن بلا شك اننا متقبلين/ات وداعمين/ات.

 

ثالثا: طرح الأسئلة الصحيحة

هناك العديد من الاسئلة التي في ظاهرها داعمة لكننها تكون ضارة اكثر من كونها مفيدة مثل : “متى علمت/ي انك/ي مثلي/ة؟” أو  “لماذا لم تخبرني من قبل؟” , لكن إذا كان حتما لتشجيعهم/ن على استكمال الحديث فمن الممكن طرح اسئلة اصحيحة من قبيل  “ما الذي يمكنني فعله لأكون أفضل داعم/ة ممكن/ة لك/ي؟” أو “هل هناك أي فعاليات يمكنني حضورها معك/ي لإظهار الدعم ؟”

 

رابعا: الاحتفاء بهم/ن وتشجيعهم/ن

نشكرهم/ن على الشجاعة في إخبارنا حيث ان اختيار إخبارنا يعني أن لديهم قدرًا كبيرًا من الاحترام والثقة بالنسبة الينا ، وأن الأمر يتطلب الكثير من الشجاعة للخروج من الخزانة ومن المحتمل جدا انهم/ن كانوا/ن يودون اخبار عائلاتهم/ن بذلك الأمر لكن هناك صعوبة او استحالة في ذلك. مشاركة اصدقائنا/ت لنا في تفاصيلهم/ن الحميمة شرف كبير يجب ان نشكرهم/ن عليه.

 

خامسا : احترام الخصوصية 

يجب علينا احترام خصوصيتهم/ن  ربما ليسوا مستعدين/ات لإخبار الآخرين على الفور أو يريدون/ن إخبار الناس بطريقتهم الخاصة مع عدم التدخل في اختياراتهن وعدم جبرهم/ن على التواجد مع اي اشخاص لا يحبون التواجد معهم/ن.

ايضا نتذكر إبقاء الحدود الاجتماعية تحت السيطرة. ولا نقوم بالاستفسار حول حياتهم العاطفية او الجنسية ، فهذا الفضول ليس رائعًا. ولكن دائما نسأل عن مستوى الانفتاح في الحديث الذي يرغبون/ن فيه

 

سادسا: عدم الحكم عليهم/ن  

إذا كان لدينا بعض المعتقدات الدينية أو غيرها ، فلا نشاركهم ذلك ابدا ونحتفظ بكل ذلك لانفسنا ونركز فقط على اظهار الدعم والقبول والحب ونخبر اصدقائنا/ت بأننا مازلنا نهتم لأمرهم/ن مهما حدث.

 

سابعا: كن الصديق/ة الذي كنت/ي عليه/ا دائما

التأكيد دائما على أنهم/ن مازالوا نفس الشخص/ة الذي نحبه/ا بالقول والفعل، حيث أنهم/ن سيلاحظون/ن أي تغير بحساسية شديدة لذلك فيجب أن نأخذ في حسباننا ذلك الأمر حيث أنهم/ن لديهم خوف مسبق رئيسي هو أن أصدقائهم/ن سيرفضونهن/ مثل عائلاتهم/ن. فمن الممكن ان نضمِّن شركاء اصدقائنا/ت في الخطط المشتركة وان نكون مستعدًا لإدراجهم/ن في المزيد من خططك. ربما فقدوا دعم العائلة والأصدقاء الآخرين حيث وقتها سيكون وقتنا وصداقتنا أكثر قيمة بالنسبة لهم/ن. وذلك مع الاستعداد بأنهم/ن من الممكن أن يعانوا/ن من تقلبات مزاجية لانه قد يكون الخروج من الخزانة مؤلمًا إذا كان الأصدقاء أو العائلة يواجهون صعوبة في قبولهم/ن. فلا نأخذ تقلبات المزاج على محمل شخصي ونشعرهم/ن  بأننا قريبين/ات بما يكفي لمشاركة  أي مشاعر غضب أو إحباط.

 

ثامنا: كن/ي داعما/ة 

عن طريق مناداتهم/ن بالضمائر التي يفضلونها وتشجعيهم على العيش بحرية كما يرون انفسهم/ن

ايضا عن طريق توفير مساحة آمنة للهروب إليها حين الحاجة والمساعدة في العثور على الموارد المادية والمعنوية والوصول إليها إذا لزم الأمر -مثلا : تعريفهم/ن على مجموعات كويرية او منظمات داعمة او خدمات الفحص والمشورة او الخدمات الطبية الصديقة

 

تاسعا : لم يفت الاوان بعد

إذا جاء إليك شخص ما من قبل وشعرت بالسوء حيال الطريقة التي تعاملت بها معه/ا ، فيمكنك دائمًا العودة والمحاولة مرة أخرى.

 تم نشره ايضا في : 

https://www.menawfina.com/2020/08/12/1252/

الأربعاء، 29 أبريل 2020

كيف أقوم بتقييم المخاطر التي من الممكن أن اتعرض لها اثناء فترة الحجر المنزلي؟

 

إن تقييم المخاطر هو تحديد وتحليل الأحداث المحتملة التي قد تؤثر سلبًا على الأفراد  مع مراعاة العوامل المؤثرة على تلك الأحداث بالإضافة إلى اثارها ونتائجها. يُعد تقييم المخاطر ضروريا في الحالات الفردية خاصة لأفراد الميم في حالة الإلتزام بالحجر الصحي المنزلي. 

وبداية لابد أن نوضح الفرق بين المخاطرة والخطر ، فالمخاطرة "Hazard  " هي شيء يمكن أن يسبب الأذى مثل اكتشاف احد افراد الاسرة لميولكمن واو هويتكمن الجندرية. بينما الخطر " Risk" هو فرصة أن أي خطر سيتسبب بالفعل في إلحاق الضرر بشخص ما سواء كانت تلك الفرصة مرتفعة او منخفضة الحدوث أو بمعنى آخر الخطر هو تهديد يمكن أن يتسبب في إلحاق الضرر بالأشخاص أو الممتلكات أو أي شيء آخر. مثل قيام مشاجرة بينكمن وبين أحد الجيران الذين يعانوا من رهاب المثلية والعبور الجنسي ووجود فرصة لقيام صاحب الشقة بطردكمن او امكانية الاعتداء البدني عليكمن في المنزل. 




قد تكون عملية تقييم المخاطر غير رسمية إلى حد ما على المستوى الاجتماعي الفردي ، أو عملية معقدة على مستوى المؤسسات. ومع ذلك ، في كلتا الحالتين ، تعد تلك العملية هي القدرة على توقع الأحداث المستقبلية ووضع استراتيجيات فعالة للتخفيف منها. على المستوى الفردي ، قد يكون ضروريا القيام بعملية بسيطة لتحديد الأهداف والمخاطر ، وتقييم أهميتها ووضع الخطط لتفادي تلك المخاطر بأقل نسبة خسارة ممكنة.

 تكمن أهمية اجراء تقييم المخاطر للأفراد مجتمع الميم /عين في العديد من البلدان التي تجرم المثلية الجنسية في أن أغلب هؤلاء الاشخاص يعيشون في بيئة قد تعرضهم/ن للخطر بسبب ميولهم/ن الجنسية او هويتهم/ن الجندرية سواء كانت بيئة معيشة داخلية (أي داخل المنزل) او بيئة معيشة محيطة خارجية (أي من منطقة السكن أو الجيران). حيث طبقا للقاعدة العملية الشائعة في تقييم المخاطر انه لا يمكن أن يكون الخطر صفر إلا مع قمع النشاط المسبب للمخاطر. 

ومع الالتزام بفترة الحجر المنزلي شهد العالم ارتفاع معدلات العنف المنزلي وذلك طال العديد من افراد مجتمع الميم / عين على مستوى العالم لذا من الضروري والمهم اجراء كل فرد لتقييم المخاطر المحتمل تعرضه/ا لها خاصة هذه الفترة. لذا وجب تحديد التهديدات والمخاطر المحتملة بالأضافة الى معرفة مواضع القوة والضعف في المواقف المختلفة.

 لكن لابد أن نأخذ في اعتبارنا منذ اللحظة الأولى انه قد  تتأثر الأحكام الفردية أو تقييمات المخاطر بعوامل نفسية أو إيديولوجية أو دينية أو عوامل غير موضوعية أخرى ، والتي تؤثر على عقلانية صدور تلك الأحكام حيث  أن في كثير من الاحيان عندما يتعرض الاشخاص للمخاطر يسيطر عليهم التوتر بما يؤثر على الحكم الحيادي على تلك المخاطر سواء من خلال التقليل من المخاطر التي يرى الفرد فيها نفسه مسيطرا أو التهويل من المخاطر التي لا يستطيع الفرد تفاديها. ولكي نتفادى الوقوع في هذه الاخطاء التي تؤثر على تقييمنا وبالتالي ستغير رد فعلنا يجب أن نتحلى بالحيادية والحكم الجيد على الأمور ومن الممكن اشراك أحد المقربين في هذا التقييم ايضا. لانه كلما قيّمنا المخاطر بحيادية كلما ضمنا ايجابية النتائج دون الوقوع في مشاكل أخرى.

 ومن أجل تطبيق تقييم المخاطر يجب علينا القيام بالخطوات الخمس للتقييم وهم كالتالي: 


الخطوة الأولى: تحديد المخاطر ، أي أي شيء قد يتسبب في ضرر.

تكمن أهمية هذه الخطوة في تحديد السياق، وهذا يحد من نطاق المخاطر التي يجب مراعاتها. ويتبع ذلك تحديد المخاطر الواضحة والضمنية التي قد تهددنا ، وتحديد الطبيعة النوعية للعواقب السلبية المحتملة لكل خطر. حيث إن القاعدة تقول: "لا يوجد خطر بدون عواقب سلبية محتملة". 

انظر إلى ما يُتوقع أن يسبب الأذى بشكل واقعي وقم بالتركيز فقط على المخاطرالتي يمكن أن تؤدي إلى أذى أو ضرر. وهنا يمكننا أن نتبع هذا التصنيف الشائع للمخاطر والتي يقسم المخاطر إلى:

 مخاطر بدنية: مثل التعرض للعنف البدني من احد افراد العائلة او الجيران او الطرد من المنزل دون وجود مأوى آخر ، الخ.

مخاطر نفسية/ اجتماعية: مثل التعرض للاشكال المتنوعة للعنف النفسي.

مخاطر رقمية: مثل التعرض للابتزاز او الايقاع بك/ي من على مواقع المواعدة 

ومن الممكن في هذه الخطوة ايضا القيام بتحديد مواضع القوة والضعف التي امتلكها وتحيط بي في المواقف المختلفة.


الخطوة الثانية: تحديد من قد يتضرر وكيف.

من الضروري تحديد الأطراف أو الأشياء المحتملة التي قد تتأثر بالتهديد والعواقب المحتملة عليهم إذا تم حدوث الخطر. ويجب الاخد في الاعتبار كيفية حدوث هذا الضرر للاشخاص والاشياء . ومعرفة الاسباب التي أدت إلى ذلك ووقع الضرر على كل ذلك ماذا سيكون.

 

الخطوة الثالثة: تقييم المخاطر واتخاذ الإجراءات اللازمة.

يجب التفكير في مدى احتمالية أن يتسبب كل خطر في ضرر، وهذا سيحدد ما اذا سنحتاج للعمل على تقليل مستوى الخطر أم لا حتى بعد اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة. وبعدها نحدد إذا كان الخطر مرتفعا ام متوسطا ام ضئيلا. مع أخذ كل الاحتياطات اللازمة يجب ان تقرر ما إذا كانت الاحتياطات الحالية مناسبة ، أم قد تظل بعض المخاطر. حيث ان هدفك الحقيقي هو القضاء على جميع المخاطر أو التقليل منها عن طريق اتخاذ الإجراءات المناسبة وكافة الاحتياطات. 

اذا وجدت أن هناك شيء يجب القيام به ، اسأل نفسك:  هل يمكنني التخلص من المخاطر تماما؟ واذا لم يكن الأمر كذلك ، فكيف يمكنني التحكم في المخاطر بحيث يكون الضرر بسيطا؟ وقم بتحديد تلك المخاطر التي يمكنك التنبؤ بها بشكل معقول.

 

الخطوة الرابعة: قم بتسجيل النتائج.

تعد هذه الخطوة هامة لكن في وضعنا كأفراد تقع تحت التهديد فيج الاستعانة بأحد المواقع المشفرة للكتابة حتى لايقع ما نكتبه تحت ايادي اخرى. يمكننا استخدام موقع https://cryptpad.fr/ للحصول على ملفات مشفرة يمكنكمن الكتابة فيها بسهولة وحرية.

اثناء هذه الخطوة نقوم بتسجيل كافة النتائج وتتضمن تفاصيل عن أي مخاطر تمت ملاحظتها في تقييمنا للمخاطر ، والإجراءات التي اتخذناها للحد من هذه المخاطر أو القضاء عليها. تفيد عملية التسجيل في الرجوع اليها لاحقا ودراستها ومراجعتها وامكانية تعديلها.

 

الخطوة الخامسة: مراجعة تقييم المخاطر.

يجب أن يبقى تقييم المخاطر قيد المراجعة من أجل ضمان استمرارنا لتطبيق ممارسات الأمان الشخصي والنفسي والرقمي مع الاخذ في الاعتبار ان الاستمرار في تطبيق تلك الممارسات يحمينا ويزيد من قدرتنا على الصمود والتعايش.

 

وفي النهاية نود أن نؤكد على ان خطوات تقييم المخاطر من الممكن تطبيقها في العديد من المواقف التي من الممكن أن تعرضنا للخطر في حياتنا عامة مثل الالتقاء بشركاء من مواقع المواعدة في ظل حملات الاصطياد مثلما نلجأ لها في المواقف الطارئة. لكن الفارق الوحيد بين هاتين الحالتين هو ان حالات الطوارئ غالبا ماتكون المخاطر أقل قابلية للتنبؤ بشكل عام لكن تطبيق الخطوات الخمس السابقة قد يساعدنا في معرفة طبيعة المخاطر المحتملة والاخطار المعرضين/ات لها مما قد يساعدنا تجنب العديد من المشكلات.

 

المراجع

 

  • Canadian Centre for occupational health & Safety
  • Security human rights hub
  • Global compact self-assessment
  • the Occupational Safety and Health Branch of Labour Department (LD) - UK

 

تم نشر هذا المقال أيضا في الرابط التالي:

https://www.menawfina.com/2020/04/17/safety-risk-assesment/?lang=ar

 


الأربعاء، 26 فبراير 2020

انعدام الأمان داخل المجتمع المصري


حين نتكلم عن الأمان لابد أن نفرق جليا بين مصطلحي الأمن والأمان من أجل ان نضع توصيفا هاما للمشكلة التي يواجهها افراد الميم بالمجتمع المصري، فالأمن معناه مسؤولية اجتماعية وعملية مقصودة يقوم بها الأشخاص لتوفير الحماية لأنفسهم وغيرهم، أما الأمان فهو الشعور الداخلي الناتج عن تحقيق الأمن بكافة انواعه (العسكري والسياسي والاقتصادي والإجتماعي والبيئي)، وهذا الشعور يتمثل في إحساس الأشخاص والجماعات بالراحة والطمأنينة، مما يوفر لهم جواً مناسباً للقيام بكافة أشكال الأنشطة الحياتية اليومية بمعزل عن الخوف والقلق والتوتر.

وجدير بالذكر أن الأمن الاجتماعي يخص قدرة المجتمعات على الحفاظ على استقرارها الداخلي والعلاقات بين أبناءها والحفاظ على الأمن الداخلي، وتحقيق آمالها في مجتمع خالٍ بشكل نسبي من الجرائم بأنواعها المختلفة. بينما الأمن النفسي كما يؤكد كارلروجرزانه "هو حاجة الفرد إلى الشعور بأنه محبوب ومقبول اجتماعياً وتكمن جذور هذه الحاجة في أعماق حياتنا الطولية" و"ان هناك علاقة إيجابية بين تقبل الذات وتقبل الآخرين". فيتكون الأمن النفسي من شقين الأول داخلي يتمثل في عملية التوافق النفسي مع الذات و الثاني خارجي و يتمثل في عملية التكيف الاجتماعي. وهنالك ايضا تعريفا آخر للامان النفسي او العاطفي هو "درجة استقرار الحالة العاطفية للفرد، ويُنتِج انعدامه ببساطة شعورًا بعدم الارتياح العام للفرد أو العصبية التي يمكن أن تنجم عن انخفاض تقدير الذات والنظر إليها بطريقة أقل شأنًا مما هي عليه ومن الآخرين، أو عن إحساس بالضعف والشك في العلاقة مع النفس والآخرين، الأمر الذي يهدد صورة الذات والأنا."

وحينما نذكر مصطلح الأمان يتبادر تلقائيا الى اذهاننا تسلسل ماسلو الهرمي للاحتياجات الذي يرتب حاجات الانسان ويصف الدوافع التي تحركه والذي خلُص إلى أن أكبر احتياجات الفرد هي الاحتياجات الفسيولوجية كالأكل والشرب والتنفس والجنس والنوم تلاها احتياج الانسان إلى الأمان والذي اتفق انهم 7 احتياجات لازمة للشعور بالأمان هم السلامة الجسدية من العنف والاعتداء، والأمان الوظيفي وأمان الموارد والايرادات، والامان المعنوي والنفسي، والأمان الاسري، والأمان الصحي، وامن الممتلكات الشخصية ضد الجريمة. ثم الاحتياجات الاجتماعية كالعلاقات العاطفية والاسرية واكتساب الاصدقاء مما يولد الشعور بالانتماء والقبول. وايضا الحاجة للتقدير ولتحقيق الذات. وعلى الرغم من الانتقادات العديدة للنظرية في ترتيب الحاجات البشرية وكيفية اشباعها وان البعض اعتبرها غير دقيقة، الا اننا لا يمكن اغفالها تماما خاصة فيما يخص موضوعنا حول حاجة الفرد للأمان.

وحين نمعن التفكير في احتياجات الفرد للأمان بمعناه الشامل وننظر إلى واقع مجتمع الميم في مصر فنجد أن هناك العديد من الأمور التي تحول بين شعور مجتمع الميم بالأمان. فإذا وضعنا نصب اعيننا الامثلة السبع المطروحة سابقا وضربنا بعض الأمثلة العامة عليها، لوجدنا ان مجتمع الميم معرض لانتهاك سلامته الجسدية سواء عن العنف الجسدي ويشمل الضرب والاعتداء البدني او العنف الجنسي ويشمل الاعتداء الجنسي والتحرش والاغتصاب، سواء كان عنفا مجتمعيا يشمل كافة اشكال اعتداء افراد المجتمع على السلامة الشخصية ، أو عنفا اسريا عن طريق افراد الأسرة. فلكل نوع من انواع العنف السابقة اثاره على السلامة الجسدية وايضا النفسية. أما الأمان الوظيفي فنجده مهددا أيضا بسبب سوء الاحوال الاقتصادية في مصر وقلة فرص العمل وشروط التوظيف وضرورة نمطية الهوية الجندرية فنجد ان العديد افراد الميم خاصة غير نمطيو/ات الهوية الجندرية لا يجدون وظائفا تقبلهم  نتيجة رفض مجتمعنا المصري لكل ماهو مختلف بالاضافة لصعوبة عمل عابري/ات الجنس بسبب ازمة الاوراق الثبوتية. وهذا مرتبط ارتباطا وثيقا بأمان الموارد الذي في الاغلب يكون غير ثابت بسبب الظروف الاقتصادية بالمجتمع المصري وانعكساتها على افراد الميم باعتبارهمن جزء اصيل من هذا المجتمع بالاضافة لما يمارس عليهمن من تمييز. أما بخصوص الأمان الصحي فانهيار منظومة الصحة واغفال احتياجات مجتمع الميم الصحية ناهيك عن تعامل الدولة مع ملف المتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسبة/ايدز، أدوا في النهاية الى زعزعة الامان الصحي لدى افراد الميم. وختاما بالأمان النفسي والعاطفي فحدث ولا حرج فجميع افراد الميم بلا استثناء نتيجة الضغط المجتمعي المتضاعف والمتراكم عليهمن يعانوين من عدم الشعور بالأمان النفسي فهم دائما يعيشون في خوف سواء من انكشاف هويتاهمن في المنزل او في اماكن الدراسة او في العمل او في الشارع وما يترتب على ذلك من نتائج قد تؤول في اغلب الاوقات الى التعرض لانتهاك حقوق افراد الميم. 

وبشكل عام كي لا اكون سوداوية التفكير لابد أن اذكر ايضا بعض الحلول التي قد أراها من زاويتي الضيقة فعالة في مواجهة موجة عدم الامان المصاحبة لنا كأفراد من الميم داخل المجتمع المصري والتي ابدأها بأهمية الحفاظ على الأمان الشخصي والسلامة الجسدية عن طريق اخذ كافة الاحتياطات اللازمة التي تمنع حدوث اية انتهاكات على كل المستويات سواء في المنزل او اماكن الدراسة او العمل او الشارع بالإضافة إلى أهمية معرفة وسائل الأمان الرقمي وكيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج المواعدة بشكل فعال وآمن مع الاخذ في الاحتياط محاولات الشرطة للايقاع ببعض افراد الميم عن طريق برامج المواعدة. وايضا من الحلول التي اراها فعالة هي ضرورة الاهتمام بالصحة الجنسية والنفسية عن طريق معرفة اساليب الوقاية الفعالة من الامراض المنقولة جنسيا والامراض المنقولة عن طريق الدم وضرورة اللجوء للمساعدة النفسية حين الحاجة الى ذلك. وهنالك العديد من الحلول المتخصصة في كل مجال مما سبق مما لا يسعني ذكرها في هذا السياق لكنني أود أن اوكد ان هنالك الكثير من الحلول التي تفيدنا في أن نكون اشخاص اكثر صحة ووعيا داخل مجتمع نسعى جميعا لتغييره لكي يصبح اكثر قبولا واتساعا ليسعنا جميعا.

الهوموفوبيا السياسية

 كأي مجتمع عربي يواجه المجتمع المصري العديد من الإشكاليات في مواجهة العديد من القضايا ومن ضمنها رهاب المثلية ورهاب العبور الجنسي وازدياد معدل العنف وخطابات الكراهية تجاه أفراد مجتمع الميم. تلك الإشكاليات التي يعاني منها بشكل دائم أفراد مجتمع الميم سواء على صعيد الأسرة أو المجتمع وأدت إلى حالة من حالات الرفض الجمعي لهم. وذلك انعكس بدوره ليس فقط على الحالة السياسية المصرية ومؤسسات الدولة بل أيضا على الوسط السياسي المصري. فهناك العديد من الممارسات التي بالملاحظة المتتبعة وجدناها تصب في تلك الإشكاليات الكبرى التي يعاني منها مجتمع الميم والتي إلى حد كبير قد تبدو ممنهجة.

فمن الممارسات التي تشكل عائق أمام حق افراد مجتمع الميم في الإنخراط في المؤسسات العامة وممارسة العمل العام والتي يجب أن نشير إليها هي أن المجال العام المصري يتسم بعدة صفات مميزة ضد مجتمع الميم منها
انتشار رهاب المثلية ورهاب العبور الجنسي وسط أغلب الأحزاب والحركات السياسية وذلك يظهر جليا في حالات النفور والاستياء والعنف ضد سلوك افراد الميم ورفض تناول قضاياهم بل قد يصل الأمر إلى اقتراح قوانين تجرم المثلية. بالإضافة إلى رفض الاحزاب ذات المرجعية الدينية لفكرة المثلية من الأساس بناء على اراء دينية وفقهية وتبني بعض الأحزاب الأخرى لأجندات مضادة لمجتمع الميم ومطالبة بعض اعضاءه لتجريم المثلية قانونيا وفرض عقوبات إضافية. وأيضا الصمت التام على كل ما تمارسه الدولة
من إنتهاكات دون تبني أية مواقف داعمة تجاه حقوق الميم وفي بعض الأحيان يصل الأمر إلى تشجيع الدولة لتبني مواقف أشد عنفا. وبقية الأحزاب وإن لم تطرح تلك الموضوعات على أجندتها فهي صامتة عن الاعتراف بحقوق وحريات أفراد الميم اللهم إلا حزبا واحدا ولم يتبلور حتى الآن اشكال دعمه وتشجيعه لافراد الميم بالانخراط في الحزب ولم يضع
حتى الآن آليات محددة لإستهدافهم ليكونوا أعضاء فاعلين به.
ناهيك عن أن اعضاء تلك الأحزاب والحركات يشكلون جزءا من المجتمع المصري الذي يحمل أغلبه العديد من اشكال خطابات
الكراهية والنبذ لمجتمع الميم فيحبط أغلب اعضاء هذه الكيانات السياسية محاولات أفراد الميم الذين يرغبون بالانضمام للاحزاب والحركات المختلفة سواء بالتمييز ضدهم أو عدم اتاحة تكافؤ الفرص داخل الكيان فيضطرون بعدها للجوء إلى النشاط الفردي الذي سرعان ما يخبو ضوءه نتيجة ما استشعروه من تمييز وكراهية. ومن الملاحظ في هذا
الخصوص أن افراد الميم الذين يريدون بدء نشاطهم السياسي في
أغلب الاحيان يلجأون لإخفاء هوياتهم الجنسية من أجل تسهيل عملية انخراطهم في العمل السياسي وقد لاحظنا ذلك جليا إبان ثورة يناير وصحوة العمل السياسي آنذاك.
وجدير بالذكر أن اشير إلى ازدواجية المجتمع السياسي المصري في تناوله لقضايا حقوق الانسان عامة فأغلب الحزبيين والناشطين يركزون فقط على الحقوق السياسية وبعض الحقوق الإقتصادية والإجتماعية وغافلين تماما عن الحقوق الجسدية والجندرية وفي بعض الأحيان يقومون بدحض المحاولات التي تنادي بالاهتمام بذلك الأمر متعللين إنه ليس أولوية الآن في ظل ما تعانيه الحركة السياسية من ركود وملاحقة هذه الأحيان. وحتى الأصوات المنادية بحرية مجتمع الميم داخل الأحزاب والحركات سرعان ماتكمم لذلك السبب.
وعلى صعيد موازي نعرف جيدا انتهاج الدولة لآليات وسياسات مضادة لمجتمع الميم ودخولها لمنطقة خطرة جديدة بعد  قضية علم الألوان الذي رُفع بحفلة مشروع ليلى وكيف تحولت الدولة من محاربة للحريات الجسدية ودخولها ذلك المنحى الخطير في محاربة حقوق الميم الأساسية. هذا
بالاضافة إلى إمعان الدولة في إثبات تدينها عن طريق محاربة أفراد الميم واستنادها للآراء الدينية والفقهية خاصة بعد حملتها الموسعة ضد الإسلاميين ومحاولة إثباتها للعامة إنها ضد ممارساتهم السياسية وليست ضد تدينهم وكتأكيدًا على ذلك تقوم بحملاتها الأمنية الموسعة ضد الميم.
وعلى النقيض نجد أن أغلب أفراد مجتمع الميم يحجمون بشكل ما أو بآخر عن الانخراط في العملية السياسية بعدة أشكال ويركزون أغلب نشاطهم على الحقوق الفردية والمجتمعية والحقوق الجسدية والجندرية. لأن بعضهم يرى ان انتقال مراحل النضال لمرحلة أعلى هو رفاهية الآن فالنضال الحقيقي هو من أجل خلق مساحة آمنة لأفراد الميم في المجتمع لكن الانخراط في العمل السياسي والمجال العام والاهتمام بالقضايا
السياسية هي مرحلة لاحقة ستحدث بعدما نكون نجحنا في خلق تلك المساحة الآنفة الذكر. ولكن من وجهة نظري أرى ان تعدد مراحل النشاط هو مطلوب ومفيد ويثري الحركة الكويرية في مصر حيث أن العمل على المستويات المجتمعية والسياسية معا سيساهم في تسريع الحصول على الحقوق المطالب بها على أقرب مدى ممكن. وتواجد العديد من الناشطين على أصعدة مختلفة سيساهم في تفعيل عملية صّد حالة الرفض الجمعي للميم عن طريق اعتياد وجود عدد من أافراده داخل التجمعات المختلفة مما سيساعد في سرعة تحقيق ما نصبو إليه. هذا بالإضافة إلى امكانية تولى بعض الأحزاب والحركات لأجندة مساندة لمجتمع الميم ومع مزيد من الضغط الداخلي يقوموا بتقديم المزيد من الدعم والمساندة، وهذا سيساهم في خلق حالة من الحراك السياسي في سبيل منح المزيد من الحقوق لأفراد الميم. وهذا أيضا من الممكن أن يؤدي إلى خلق جبهات سياسية تكون مساندة للميم على مستويات نساعد في تطورها بالتدريج مما سيساعد أكثر في القضية.

كل هذه المواقف تعد من الإشكاليات التي تواجه أفراد مجتمع الميم في انخراطهم في الحياة العامة في مصر، والتي لو قمنا بالتفكير في حلول لها و عملنا عليها ، من الممكن أن نصل الى بعض المكاسب للحركة
الكويرية في مصر ولو حتى على المدى الطويل إذ لابد أن نجد طريقة كأفراد من مجتمع الميم للوصول لحقوقنا في الانخراط في الحياة العامة والتوصل لطرق آمنة نستطيع ممارسة بها العمل السياسي سواء من خلال احزاب او بشكل منفرد مع عدم تأجيل تلك الخطوة لأهميتها وضرورتها في الوقت الحالي.



* هذا المقال نُشر في مجلة أمروس


صراعات مثلية تختبئ


استيقظ صباحا ولا أدري إلى أين سيأخذني مصيري اليوم، اختار ملابسي بعناية كيلا تنفضح ميولي منها أمام زملائي بالعمل. هؤلاء الذين دوما يعلقون على اسلوب اختياري لملابسي "الرجالية إلى حد ما" وطريقة مشيي واسلوب كلامي. أضيف بعض الملامح الأنثوية لمظهري كنوع من التخفي الذي اُتهم انه جبن وعدم رغبة في المواجهة. أنزل من منزلي الصغير أتجه نحو مكتبي الذي يبعد عن منزلي حدود الساعتين أو أكثر ، وعادة في ذهابي وإيابي استقل حافلات النقل العام التي دائما ما تكون مزدحمة بالركاب. وكالعادة اتعرض للتحرشات اليومية الموجهة تجاه كل ما يخالف ذكور القبيلة وأيضا اواجه نوع جديد من التحرش تحت عنوان (يا واد ، يا بت) ، تلك الكُنية التي مايستخدمها المتحرشون لمناداتي ، حتى من لم يقولوها لي بصوت عال  أراها في نظراتهم المتمحصة التي تنزع عني ستري في محاولة منهم لمعرفة ماهيتي وكأنني سقطت توا من الفضاء مع سفينتي ! وأذهب لعملي منهكة أحاول أن أقدم جديدا في مجال لا أجد ذاتي به لكنه يضمن لي استقلالي المادي كيلا اسقط فريسة تحكمات الأهل ، ثم انتهي منه فاقدة لمعاني الأمل وأعود للمنزل وإلى نظرات أهلي وسؤالهم المتكرر لي "متى ستتزوجين ونفرح بكِ؟!". 

ذلك باختصار هو روتيني اليومي الذي قد أكون قد أعتدت عليه ووصلت لدرجة من درجات التعايش السلبي معه والذي أيضا يصل بي في كثير من الأحيان إلى الإكتئاب. كنت بالأمس أغوص وحدي في دوامات من التناقض والحيرة إلى أن واجهت نفسي ونجحت في الاعتراف والتحول خطوة خطوة من رهاب المثلية إلى مثلية مفتخرة بكينونتها. أتذكر مراحل صراعي الفكري ونضجي العقلي وتدرجي من السذاجة إلى درجة معقولة من تقبل نفسي والآخرين. واليوم هاهنا أقبع داخل فقاعة التخفي كيلا أخسر عائلتي وعملي وأماني الشخصي واضطراري لتحمل ما لا يحمد عقباه. تلك الفقاعة التي كثيرا ما أحتوت خوفي وقلقي من اكتشاف دوائري القريبة لميولي ، وهو نفسه ذات الأمر الذي أُعاير عليه داخل دوائر اصدقائي المثليين الذين أعتبرهم كنزي المخفي.

ومع كل تلك الصراعات صاحبني شعوري بالاغتراب، اغترابي وسط اصدقائي الذين أخفي عنهم ميولي، واغترابي وسط أصدقائي الذين يتقبلونها لكنهم لا يتقبلون رغبتي في الاختباء، واغترابي وسط اي تجمع كبير او صغير. عانيت أيضا من شعوري بالإزدواجية مع محاولات التخفي العظيمة التي تأخذ مني أكثر ما تعطيني. ناهيك عن شعور الوحدة الذي يتسرب لكل خلايا جسدي وفكري دونما انقطاع وكأنني ولدت لكي يكون ملازما لي. كل ذلك اصبح مزيجا لحياة اعيشها وسط العديد من الدوائر المختلفة ولا أدري إلى أين سيأخذني. أشعر ان مجرد تواجدي ببلد كل ما فيه يعاني من رهاب المثلية سيجعلني أدور في هذه الدوامة إلى ما لانهاية دونما مفر. 

* هذا المقال نُشر في مجلة شُباك
https://genderiyya.xyz/wiki/وثيقة:صراعات_مثلية_تختبئ

كيف تدعم الأسرة اطفالها الكويريين/ات

تزايد مؤخرا عدد المراهقين/ات الذين/اللائي يعرفون/ن انفسهم/ن بأنهم/ن كويريين/ات من ذوي/ات الميول الجنسية المختلفة، وذلك مع ازدياد الوعي وتوا...