الأربعاء، 26 فبراير 2020

صراعات مثلية تختبئ


استيقظ صباحا ولا أدري إلى أين سيأخذني مصيري اليوم، اختار ملابسي بعناية كيلا تنفضح ميولي منها أمام زملائي بالعمل. هؤلاء الذين دوما يعلقون على اسلوب اختياري لملابسي "الرجالية إلى حد ما" وطريقة مشيي واسلوب كلامي. أضيف بعض الملامح الأنثوية لمظهري كنوع من التخفي الذي اُتهم انه جبن وعدم رغبة في المواجهة. أنزل من منزلي الصغير أتجه نحو مكتبي الذي يبعد عن منزلي حدود الساعتين أو أكثر ، وعادة في ذهابي وإيابي استقل حافلات النقل العام التي دائما ما تكون مزدحمة بالركاب. وكالعادة اتعرض للتحرشات اليومية الموجهة تجاه كل ما يخالف ذكور القبيلة وأيضا اواجه نوع جديد من التحرش تحت عنوان (يا واد ، يا بت) ، تلك الكُنية التي مايستخدمها المتحرشون لمناداتي ، حتى من لم يقولوها لي بصوت عال  أراها في نظراتهم المتمحصة التي تنزع عني ستري في محاولة منهم لمعرفة ماهيتي وكأنني سقطت توا من الفضاء مع سفينتي ! وأذهب لعملي منهكة أحاول أن أقدم جديدا في مجال لا أجد ذاتي به لكنه يضمن لي استقلالي المادي كيلا اسقط فريسة تحكمات الأهل ، ثم انتهي منه فاقدة لمعاني الأمل وأعود للمنزل وإلى نظرات أهلي وسؤالهم المتكرر لي "متى ستتزوجين ونفرح بكِ؟!". 

ذلك باختصار هو روتيني اليومي الذي قد أكون قد أعتدت عليه ووصلت لدرجة من درجات التعايش السلبي معه والذي أيضا يصل بي في كثير من الأحيان إلى الإكتئاب. كنت بالأمس أغوص وحدي في دوامات من التناقض والحيرة إلى أن واجهت نفسي ونجحت في الاعتراف والتحول خطوة خطوة من رهاب المثلية إلى مثلية مفتخرة بكينونتها. أتذكر مراحل صراعي الفكري ونضجي العقلي وتدرجي من السذاجة إلى درجة معقولة من تقبل نفسي والآخرين. واليوم هاهنا أقبع داخل فقاعة التخفي كيلا أخسر عائلتي وعملي وأماني الشخصي واضطراري لتحمل ما لا يحمد عقباه. تلك الفقاعة التي كثيرا ما أحتوت خوفي وقلقي من اكتشاف دوائري القريبة لميولي ، وهو نفسه ذات الأمر الذي أُعاير عليه داخل دوائر اصدقائي المثليين الذين أعتبرهم كنزي المخفي.

ومع كل تلك الصراعات صاحبني شعوري بالاغتراب، اغترابي وسط اصدقائي الذين أخفي عنهم ميولي، واغترابي وسط أصدقائي الذين يتقبلونها لكنهم لا يتقبلون رغبتي في الاختباء، واغترابي وسط اي تجمع كبير او صغير. عانيت أيضا من شعوري بالإزدواجية مع محاولات التخفي العظيمة التي تأخذ مني أكثر ما تعطيني. ناهيك عن شعور الوحدة الذي يتسرب لكل خلايا جسدي وفكري دونما انقطاع وكأنني ولدت لكي يكون ملازما لي. كل ذلك اصبح مزيجا لحياة اعيشها وسط العديد من الدوائر المختلفة ولا أدري إلى أين سيأخذني. أشعر ان مجرد تواجدي ببلد كل ما فيه يعاني من رهاب المثلية سيجعلني أدور في هذه الدوامة إلى ما لانهاية دونما مفر. 

* هذا المقال نُشر في مجلة شُباك
https://genderiyya.xyz/wiki/وثيقة:صراعات_مثلية_تختبئ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كيف تدعم الأسرة اطفالها الكويريين/ات

تزايد مؤخرا عدد المراهقين/ات الذين/اللائي يعرفون/ن انفسهم/ن بأنهم/ن كويريين/ات من ذوي/ات الميول الجنسية المختلفة، وذلك مع ازدياد الوعي وتوا...